ربما كانت الحكومة الشرعية في اليمن وكل من يساندها في معركة الأمة ضد المشروع الإيراني العدواني التوسعي الذي لا يخشى من ردود فعل المسلمين أو المجتمع الدولي عندما يرفع شعار تصدير الثورة ونشر بدعة “ولاية الفقيه” الساقطة أخلاقيا وشرعيا في كل الأرجاء، ربما كانت مقصّرة إلى أبعد الحدود في نشر معاناة أبناء مدينة تعزّ من ظلم مليشيا الحوثيين الإرهابية التي تحاصر المدينة وتخنقها منذ اليوم الأول للانقلاب الذي نفذه الحوثيون بتواطؤ متعدد المحاور إقليميا ودوليا اضطلعت عناصر علي عبد الله صالح في تنفيذه بالدور الميداني الكبير، وكأن هناك ثأرا تاريخيا مع هذه المدينة تحمله أطراف كثيرة متعددة الدوافع والنوايا هذه المدينة التي تتميز بأنها مدينة المعرفة والثقافة والأكثر تقبلا لحوار الثقافات وتلاقحها، ويبدو أن طابعها ودورها الريادي في الثورة الشعبية ضد علي عبد صالح عام 2011، كان سببا في معظم ما عانت منه وما تزال.
وربما كانت حكومة عبد ربه منصور هادي فاشلة نتيجة عجز أو لعدم وجود رؤية سليمة في كوادرها، في التعرف على آليات التخاطب إعلاميا مع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، أما إسماعيل ولد الشيخ أحمد فهو أحد مرتزقة الوظيفة والجاه المفقود اللذين توفرهما له مهمته كممثل للأمين العام لشؤون اليمن ولو كان ذا قيمة تذكر لما فرط به بلده وهو الذي يحتاج إلى أي جهد للخروج من معضلاته الداخلية ولكنه عوض نقصه في العمل للأمم المتحدة، فهو لا يريد لمهمته أن تنتهي أبدا بل هو حاله كحال ديمستورا وكوبلر وغيرهم من شاغلي الوظائف الأممية الذين لا يطيب لهم إلا الرقص على أنين الضحايا الممتزج مع دوي المدافع وأزيز الرصاص بين المتحاربين من دون تكافؤ في حجم القوة النارية ومناظر البؤساء والجائعين والمشردين في الفيافي.
فلماذا تقام كل هذه الضجة الدولية والتي شاركت فيها منظمات حقوقية وإنسانية دولية حول ما يصفه “ولد الشيخ أحمد” في تقريره بعد بدء معركة تحرير “المخا” بالوضع الإنساني المأساوي في الساحل الغربي لليمن “على البحر الأحمر”؟ وأين كانت الأمم المتحدة وممثلها ولد الشيخ والمنظمات الحقوقية والإنسانية عما يحصل لمجموع الشعب اليمني جراء ما تفرضه مليشيا الحوثيين وصالح من إجراءات وتدابير وانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان؟ وهل حقا أن المحنة الإنسانية في الساحل الغربي لليمن لم تنشأ إلا بعد انطلاق معركة تحرير الساحل ابتداء من باب المندب وميناء المخا ومن ثم الحديدة وصولا إلى نقطة الحدود مع المملكة العربية السعودية؟ ثم لماذا لا تريد الأمم المتحدة جعل ميناء عدن العاصمة المؤقتة لليمن محطة استقبال المعونات الإنسانية وليس الحديدة؟ على الرغم من أن الجانب الأعظم من تلك المساعدات تأتي من المملكة العربية السعودية؟ وكأن هناك إصرارا على تحويل تلك المساعدات لصالح ميزانية الانقلابيين الذين يجبون الضرائب عليها وتمويل ميزانية إرهابهم؟ أم أن المحنة تتجسد في سطو المليشيات الخارجة على الشرعية المحلية والعربية والدولية على مقاليد اليمن وثرواته على محدوديتها؟ وفي اعتماد أكثر الوسائل الإرهابية بطشا والمقتبسة من تقاليد دولة الولي الفقيه وشعار تصدير الثورة وأذرعها الخارجية مثل مليشيا حزب الله اللبناني ومليشيا الحقد الطائفي التي يحمل أفرادها الجنسية العراقية المكتسبة بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني؟ وإذا كانت نوايا الشر قد حددت الموانئ اليمنية على البحر الأحمر كمراكز للمساعدات الغذائية وغيرها من المساعدات الإنسانية، فهذا جزء من قرار التآمر على الشرعية في اليمن وخاصة من جانب إدارة الرئيس الأمريكي الراحل باراك أوباما التي حرصت على عدم فتح جبهة لها مع إيران في أي ساحة في العالم، وكأنها تسعى للإبقاء على بؤر التوتر الدولية كي يكون ذلك مسوغا لأمريكا للتواجد في كل مكان تحت لافتة حماية الأمن القومي الأمريكي من الأخطار الخارجية.
إن الحديث عن معاناة اليمنيين أمر مشروع لأنه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولكن غير المشروع فيه هو محاولة تحويل جانب منه إلى الشرعية، وحتى في حال تحميل طرفي المعادلة مسؤولية متكافئة غير جائز أبدا، فالانقلابيون ينفذون نيابة عن إيران إحدى صفحات المشروع الإيراني التوسعي الذي يريد تطويق الجزيرة العربية بحزام الفتن الفارسية والقواعد البحرية والقواعد الصاروخية لنشر ولاية الفقيه في دول العالم الإسلامي بلا استثناء، ولم يخف زعماء إيران المعممون أو العسكريون أو زعماء الأذرع الإرهابية التابعة لهم نيتهم في بسط الهيمنة الفارسية تحت لافتة التشيع، فاستطاعت استغفال بعض الشيعة العرب الذين هم على استعداد لبيع أنفسهم بثمن رخيص لكل من يدفع أكثر، ثم ليكونوا مخالب وأنيابا لإيران الإرهابية في كل مكان، لهذا يجب على الشرعية مواصلة التحرك العسكري لحسم معركة الساحل وعدم منح الإرهابيين فسحة لاسترداد الأنفاس، كما أن تعزيز التحرك السياسي والدبلوماسي لعزل إيران على الساحة الدولية، والتحرك الإعلامي بنشاط أكبر لتعرية دوافع الضجة التي تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية لا تخلو من نكهة فارسية ذات نهايات ناعمة ولكنها مدببة إلى حدود غير متصورة.
وعلى العرب والمجتمع الدولي ألا يقعا فريسة خديعة الزعم الإيراني بوجود تيارين في إيران، إصلاحي ومعتدل، فلا اعتدال في إيران وإنما تبادل أدوار محكوم بدقة من قبل المرشد بين وجوه لا تختلف في تنفيذ المشروع الإيراني العالمي وإن اختلفت على الغنائم وحتى في وجود اختلاف بين المعممين في إيران فهي خلافات تنحصر في من يقدم أكثر لإعطاء دفعة أقوى للمشروع الإيراني التوسعي العدواني.