دخلت الثورة السورية أو أُدخلت في منعطفٍ جديد بعد بدء العملية التفاوضية في جنيف3، وقد سبق ذلك خطواتٌ سياسية سبقتها خطوةٌ عسكرية تمثلت بتدخلٍ عسكريٍ مباشر من قبل روسيا بحجج متعددة.
وتشكل قراءة المشهد السوري بعد سلسلة التوافقات السياسية الدولية والتدخل الروسي المباشر ومن ثم الانسحاب الشكلي لبعض قواتها العسكرية إشكالية كبرى نظراً لعوامل عدة منها تداخل دوائر الصراع المحلي والإقليمي والدولي.
فالدائرة الدولية ممثلة بروسيا والولايات المتحدة لا ترغب في دفع كلفةٍ مباشرة لتحقيق استراتيجياتها الكبرى، هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى فإنها ليست على استعدادٍ لاتخاذ خطواتٍ سياسية تصب في مصلحة القوى الإقليمية نتيجة حسم الصراع لصالح أحد الطرفين.
أولاً: الموقف التركي من الأزمة السورية
يشكل الموقف التركي من الصراع في سورية ويأثر في مختلف خطوات ومراحل الصراع، نظراً لعوامل جيوسياسية وجيوثقافية فرضت نفسها على مراحل الصراع المختلفة.
ورغم الضغوطات الكبرى التي تعرضت لها تركيا نتيجة مواقفها من القضية السورية ورغبتها في إعادة بناء سياساتها الخارجية بمعزلٍ عن تأثير القوى الدولية الكبرى، فإن مصالحها ومبدئية موقفها دفعها لتبني مقاربات مختلفة إلى حدٍ ما عن التوجه الدولي لحل الصراع السوري والمتمثل بالعملية التفاوضية في جنيف3.
هذا الموقف التركي المستقل نسبياً، حملها فاتورة سياسية كبيرة تمثلت في محاولات النيل من الحكومة التركية ورئيسها وتوضح ذلك في الحملة الإعلامية الغربية وتحريض عددٍ من قادة المنطقة أيضاً، ولقاءات الملك عبد الله الثاني السرية مع سياسيين في الولايات المتحدة.
فمفاوضات جنيف وفق ما يرشح من أخبار وتصريحاتٍ أممية وروسية لن تكون سوى إعادة انتاج النظام بصورة جديدة تمكن رأس النظام من إعادة احتواء الموقف وتثبيت النفوذ الروسي والإيراني في سورية، الأمر الذي تنظر له تركيا بقلقٍ شديد. وحتى إن أسفرت عملية جنيف عن حلٍ وسط فإن أياً من شركاء تركيا الطبيعيين لن يكون له دورٌ في هذه العملية، فضلاً عن معرفة الأجهزة التركية المسبقة بعدم إمكانية فرض حلٍ غير منصف على بعض القوى العسكرية الثورية في سورية. الأمر الذي قد ينقل الصراع إلى مرحلةٍ أشد تعقيداً وأكثر خطورة في حال تم التوافق بين الهيئة العليا للتفاوض والنظام على أنصاف حلول تعيد هيكلة أجهزة النظام، فالنظام يعرف تماماً أن إعادة الهيكلة لن تؤثر على روح هذه الأجهزة نظراً للفارق الكبير بين منتسبي هذه الأجهزة من طرفه والمنشقين عنها من طرف المعارضة، إن فرضنا جدلاً أنه قد يقبل بإعادة الهيكلية من الأساس وأنه لن يمارس الألاعيب والمناورات.