محمد فاروق الإمام
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
بعد شلالات الدماء التي غطت الأراضي السورية، ونزيفها من أجساد السورين، راح ضحيتها أكثر من مليون من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال على مدى تسع سنوات عجاف، مليئة بالقهر والألم والمعاناة والعذابات والنحيب والبكاء، وتهجير ونزوح الملايين داخل سورية وخارجها، وقد صُبغت الأرض السورية بقاني الدم الأحمر المهراق من أجساد السوريين، بفعل براميل وغازات الموت الأسدية، وصواريخ بوتين الفراغية والانشطارية والعنقودية والفسفورية، وسكاكين وسواطير حلفاء نمرود الشام من الشيعة الحاقدين الذين جنّدتهم إيران الرافضية الصفوية، التي كانت تتقرب إلى إلههم بذبح أطفالنا وبقر بطون نسائنا.
وبعد انتظار طويل، وقد خامرنا اليأس من طي هذا الملف الدامي، أطلقت منظمة “مع العدالة”، بالتعاون مع مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الاثنين 4 تشرين الثاني 2019، النسخة العربية من كتاب (القائمة السوداء: الانتهاكات التي ارتكبها أبرز قيادات النظام السوري وسبل جلبهم للعدالة)، وذلك بحضور عدد من السياسيين والمثقفين السوريين والأتراك، ووسائل إعلام عربية وتركية، في صالة المنتدى التابعة للمركز بمدينة إسطنبول التركية.
الأستاذ وائل السواح المدير التنفيذي لمنظمة “مع العدالة” تحدث عن الغاية المرجوة من إنجاز هذا الكتاب الذي يوثق انتهاكات النظام، على الرغم من وجود العديد من الإصدارات والتقارير والأرقام التي وثقت هذه الجرائم، وقال: “الحقيقة نحن لسنا ساذجين لكي نتصور أن العدالة ستتحقق في القريب العاجل، وفي الوقت نفسه لا يمكننا القول إن العدالة بعيدة المنال، ولن نفقد الأمل والعزيمة. نحن واقعيون، ونعترف بأن العدالة لن تتحقق غدًا، وعمليّون بشكل يدفعنا إلى العمل ليل نهار حتى نكون جاهزين بما لدينا من وثائق وأرقام وأدلة وشهادات، عندما تأخذ العدالة مجراها”.
وتابع: “نحن في منظمة (مع العدالة) لم نأتِ لمنافسة المنظمات الأخرى التي تعمل في مجال توثيق الانتهاكات وحقوق الإنسان، بل حاولنا أن نكمل عملها. ففي مجال التوثيق، عملنا على جمع كل الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت في سورية في ملف أو كتاب واحد، إلى جانب وضع جميع السبل التي يمكن اللجوء إليها أو انتهاجها من أجل جلب هؤلاء المجرمين إلى العدالة، أي أن المعلومات المتوفرة في الكتاب ليست كلها خاصة وغير موجودة في مكان آخر، فبعضها قد يكون موجودًا في قواعد البيانات الخاصة بالمنظمات أو شبكة الإنترنت أو وسائل الإعلام، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، لكن ميزة هذا الكتاب تكمن في جمعه كل هذه المعلومات والقضايا، حيث يكون مرجعًا لأي باحث يبحث عن حقيقة ما جرى في سورية، أو يبحث عن شخص بعينه أو جريمة محددة، فكل انتهاك أو جريمة ارتكبت في سورية موجودة في قسم يعرضها بالتفصيل، مع كامل المعلومات وأرقام الضحايا وأسماء من ارتكبوا هذه الجريمة، وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب”.
ولفت النظر إلى أن “وجود منظمة مع العدالة في الولايات المتحدة الأميركية، أعطاها هامشًا تميزت به عن باقي المنظمات الموجودة في الشرق الأوسط، وهو إمكانية التواصل مع الحكومة الأميركية والمنظمات الحقوقية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة المنظمات السورية الموجودة هناك، التي لعبت دورًا كبيرًا في دعم الثورة السورية منذ بدايتها”.
وإضافة إلى ذلك، يضم مجلس إدارة مع العدالة عددًا من السياسيين والحقوقيين الذين يملكون صلات دولية كبيرة، تستطيع نقل وجهة نظر السوريين إلى العالم بأكمله.
اختتم السواح كلمته بالحديث عن أهمية وقيمة هذا الجهد الذي بُذل من أجل إنجاز كتاب (القائمة السوداء)، على الرغم من التوجه السياسي الدولي حاليًا نحو إعادة تأهيل نظام الأسد وإيجاد حل أو تسوية سياسية، وقال: “في القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، لا توجد مدة زمنية معينة تسقط بعدها الأحكام بالتقادم، فإذا أهملنا توثيق ما حدث ولم نطالب بحقوقنا؛ فستضيع هذه الحقوق. لذا يجب أن تكون قضايا العدالة والحقوق والمساواة دائمًا في مقدمة أولوياتنا، كي نوصل رسالة للمجتمع الدولي بأن لا حل سياسيًا من دون العدالة، وإذا أرادوا تحقيق السلام في هذا البلد؛ فلا بد من أن يقوم على العدالة، لأنه لا يوجد سلام دون عدالة”.
كما كانت للحقوقية التركية بتول توبال، المهتمة بقضايا اللاجئات السوريات في تركيا، كلمة أثنت فيها على الجهود العظيمة التي بذلها القائمون على إنجاز كتاب “القائمة السوداء”، كي يوثق الجرائم التي ارتكبها النظام وأزلامه بحق السوريين منذ أكثر من ثماني سنوات حتى الآن. وقالت: “يستطيع العالم كله أن يعرف كل ما حصل في سورية من جرائم ضد الإنسانية، من خلال هذا الكتاب الذي يحتوي على كثير من الأدلة التي تدين النظام السوري، لأن العدالة لن تتحقق دون إدانة المجرمين ومحاسبتهم”.
وشارك عضو البرلمان التركي حسن طوران بكلمة أعرب فيها عن أسفه لما حدث في سورية من جرائم وانتهاكات. وقال: “يؤسفني أن نجتمع هنا في هذه المناسبة لنتحدث عن الجرائم التي ارتكبت في سورية، منذ أن خرج الشعب السوري في آذار 2011 مطالبًا بحريته، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين في دول الجوار، من بينهم 4 ملايين سوري يعيشون في تركيا”. وأضاف: “مهما طال الزمن، فلن يبقى مرتكبو الجرائم من دون محاسبة، وهذا الكتاب سيكون نواة لبداية تطبيق العدالة ومعاقبة المجرمين، الذين قتلوا وهجّروا الشعب السوري”.
إن إطلاق هذا الكتاب بنسخته العربية يساعد ولا شك في محاسبة مرتكبي الجرائم بحق الإنسانية في سورية، ويُسهّل مهام المهنيين والقانونيين، ويُعدّ دليلًا مهمًا يمكن الاستناد إليه في تحقيق العدالة الانتقالية التي لا بد منها لتحقيق الأمن والسلام في سورية، ولا بد من أن يعمل الجميع بدعم المبادرات التي تسعى لمساءلة المستبدين، وتضع آليات قانونية تُسهِّل تحقيق العدالة الانتقالية من أجل الوصول إلى سلام مستقر في سورية، في إطار دولة ديمقراطية تعددية تداولية تحترم الإنسان وحقوقه وتدافع عن حريته وكرامته.
وكانت منظمة “مع العدالة” و”معهد الشرق الأوسط” في واشنطن، قد أطلقا كتاب (القائمة السوداء) بنسخته الإنكليزية في 27 أيلول 2019، ولاقى اهتمامًا كبيرًا، لما يضم بين دفتيه من معلومات مهمّة وموثقة، تساعد في تحديد مجرمي الحرب في سورية، ولأنه مع غيره من الجهود سيكون نواة ومرتكزًا لتحقيق العدالة الانتقالية في سورية.
يتألف الكتاب من 376 صفحة من القطع الكبير، وهو يضمّ -إضافة إلى المقدمة التي كتبها رياض حجاب، رئيس هيئة المفاوضات الأسبق-ثلاثة فصول. الفصل الأول: جهود محاسبة النظام السوري وآليات المساءلة، والفصل الثاني: أبرز الانتهاكات التي ارتكبها النظام خلال الفترة 2011 – 2018، والفصل الثالث: القائمة السوداء، وتضمّ 93 اسمًا.
ختاماً كل الشكر والامتنان للحكومة التركية التي تبنت التعريف بهذا الكتاب المهم وشجعت على نشره، كذلك نتقدم من الرئيس رجب طيب أردوغان بخالص الشكر والامتنان، لقراره بنشر هذا الكتاب باللغة التركية، وأرجو أن يكون هذا الجهد العظيم دافعاً للسوريين والمهتمين بالقضية السورية ومن محبي تحقيق العدالة، أن يعملوا جميعاً على نشر ما لديهم من وثائق تفضح النظام الباغي في دمشق، وتفضح ما قام به مجرم الحرب بوتين، وتفضح النظام الإيراني الرافضي وما أقدمت عليه ميليشياته التي جندها، والعمل على سوق من تلوثت أياديه بدم السورين إلى محاكم مجرمي الحرب في لاهاي ليُقتص منهم جزاء بما جنت أيديهم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مجموعة التفكير الاستراتيجي